استطلاع فرنسي يقرع ناقوس الخطر: تغلغل الإخوان بين الشباب يربك باريس ويهدد نموذج الجمهورية
أثار استطلاع حديث أجرته مؤسسة إيفوب الفرنسية بشأن انتشار أفكار تنظيمات الإسلام السياسي بين الشباب المسلم، موجة صدمة واسعة في الأوساط السياسية والثقافية بباريس، في وقت ترفع فيه الدولة منسوب التأهب لمواجهة ما تعتبره «أفكارًا معادية لقيم الجمهورية». ويأتي ذلك وسط رصد نشاط متزايد لجماعة الإخوان وهياكل مجتمعية مرتبطة بها داخل المدن الفرنسية.
وبحسب صحيفة «لوجورنال دو ديمانش»، أعاد الاستطلاع فتح النقاش القديم حول حدود العلمانية الفرنسية وقدرتها على الصمود أمام مشاريع الإسلام السياسي التي تسعى بطريقة مباشرة أو ناعمة لترسيخ حضورها في الفضاء العام، مستفيدة من التحولات الاجتماعية والديموغرافية في البلاد.
ووفقًا لنتائج الاستطلاع، يتزايد تعاطف نسبة ملحوظة من الشباب المسلم مع تنظيم الإخوان والمؤسسات المنتمية إليه، ما يشير إلى اتساع فجوة الاندماج وارتفاع تأثير الأيديولوجيات العابرة للحدود. وتنقل الصحيفة عن المؤرخ الفرنسي جان مارك ألبرت قوله إن «صدمة الرأي العام ليست جديدة»، فإشارات التباعد بين الجيل الجديد والمجتمع الفرنسي رُصدت منذ سنوات.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد حذّر في وقت سابق من «مشروع سياسي» للإخوان يستهدف تقويض قيم الجمهورية عبر الفصل التدريجي بين المسلمين ومحيطهم الاجتماعي، مؤكدًا أن المواجهة ليست دينية بل فكرية وتنظيمية، تستهدف الأيديولوجيات التي توظف الدين لبناء شبكات نفوذ داخل المدارس والجمعيات والمنظمات المحلية.
ويشير المؤرخ جان مارك ألبرت إلى أن نتائج الاستطلاع تُثبت أن تعاطف الشباب مع الإخوان لم يعد مجرد ظاهرة ثقافية عابرة، بل يمثل تحديًا «حضاريًا» يتجاوز النقاش الديني التقليدي، ويطرح سؤالًا صعبًا حول قدرة النموذج الجمهوري على الدمج في مواجهة خطابات انعزالية أكثر جاذبية لدى شريحة من الشباب.
ويرى الباحث أن الخطر الحقيقي يكمن في البعد الديموغرافي طويل الأمد. فبحسب توقعات إيفوب، قد تتقاطع خلال أربعة عقود كتلتان اجتماعيتان كبيرتان: من جهة اليمين المتطرف، ومن جهة أخرى جمهور الإسلام السياسي، وهو ما يضع سياسات العلمانية الفرنسية أمام اختبار مصيري.
وتشير لوجورنال دو ديمانش إلى أن تأثير الإسلام السياسي في فرنسا ولا سيما عبر جماعة الإخوان بات مصدر قلق حقيقي لدى مؤسسات الدولة، خاصة مع وجود جمعيات تُطرح بوصفها «ثقافية» أو «خيرية» لكنها تعمل كأذرع ناعمة لتعزيز المشروع الأيديولوجي للإخوان داخل بعض الأحياء والمدن التي تقل فيها الرقابة الجمهورية.
ويضيف المؤرخ الفرنسي: «نلاحظ تغلغلًا تدريجيًا لا يعتمد على صدمات كبرى، بل على استراتيجية بطيئة وطويلة المدى: إعداد كوادر مستقبلية، تعبئة العائلات، وبناء شبكات موازية قادرة على التأثير في المجتمع».
ويرى مراقبون أن هذه الاستراتيجية نجحت في خلق فضاءات اجتماعية موازية، تكرس نمطًا ثقافيًا ودينيًا متمايزًا عن النموذج الجمهوري.
وبينما تتزايد الدعوات لحماية العلمانية باعتبارها «خط الدفاع الأخير» ضد الانقسام، تحذر دوائر فرنسية من أن الوقت قد يكون قد تأخر لضمان استمرار نموذج الاندماج التقليدي، وأن مواجهة الإسلام السياسي باتت قضية استراتيجية تمس هوية فرنسا وتماسكها الاجتماعي، وليس مجرد ملف ديني أو أمني.
